فصل: تفسير الآيات (11- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (11- 12):

{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
قوله عز وجل: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} فيه خمسة أوجه:
أحدها: نلهو ونلعب، قاله الضحاك.
الثاني: نسعى وننشط، قاله قتادة.
الثالث: نتحارس فيحفظ بعضنا بعضاً ونلهو، قاله مجاهد.
الرابع: نرعى ونتصرف، قاله ابن زيد، ومنه قول الفرزدق.
راحت بمسلمة البغالُ مودعاً ** فارعي فزارة لا هناك المرتع

الخامس: نطعم ونتنعم مأخوذ من الرتعة وهي سعة المطعم والمشرب، قاله ابن شجرة وأنشد قول الشاعر:
أكُفراً بعد رَدّ الموت عنّي ** وبعد عطائك المائة الرِّتاعا

أي الراتعة لكثرة المرعى.
ولم ينكر عليهم يعقوب عليه السلام اللعب لأنهم عنوا به ما كان مباحاً.

.تفسير الآيات (13- 14):

{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)}
قوله عز وجل: {قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخافُ أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك لخوفه منهم عليه، وأنه أرادهم بالذئب، وخوفه إنما كان من قتلهم له فكنى عنهم بالذئب مسايرة لهم، قال ابن عباس فسماهم ذئاباً.
والقول الثاني: ما خافهم عليه، ولو خافهم ما أرسله معهم، وإنما خاف الذئب لأنه أغلب ما يخاف منه من الصحارى.
وقال الكلبي: بل رأى في منامه أن الذئب شَدّ على يوسف فلذلك خافه عليه.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
{وأوحينا إليه} فيه وجهان:
أحدهما: يعني وألهمناه، كما قال تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7].
الثاني: أن الله تعالى أوحى إليه وهو في الجب، قاله مجاهد وقتادة.
{لتنبئنهم بأمرهم هذا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا، فعلى هذا يكون الوحي بعد إلقائه في الجب تبشيراً له بالسلامة.
الثاني: أنه أوحى إليه بالذي يصنعون به، فعلى هذا يكون الوحي قبل إلقائه في الجب إنذاراً له.
{وهم لا يشعرون} فيه وجهان: أحدهما: لا يشعرون بأنه أخوهم يوسف، قاله قتادة وابن جريج.
الثاني: لا يشعرون بوحي الله تعالى له بالنبوة، قاله ابن عباس ومجاهد.

.تفسير الآيات (16- 18):

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
قوله عز وجل: {قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق} وهو نفتعل من السباق وفيه أربعة أوجه:
أحدها: معناه ننتصل، من السباق في الرمي، قاله الزجاج.
الثاني: أنهم أرادوا السبق بالسعي على أقدامهم.
الثالث: أنهم عنوا استباقهم في العمل الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب.
الرابع: أي نتصيد وأنهم يستبقون على اقتناص الصيد.
{وتركنا يوسف عند متاعنا} يحتمل أن يعنوا بتركه عند متاعهم إظهار الشفقة عليه، ويحتمل أن يعنوا حفظ رحالهم.
{فأكله الذئب} لما سمعوا أباهم يقول: وأخاف أن يأكله الذئب أخذوا ذلك من فيه وتحرّموا به لأنه كان أظهر المخاوف عليه.
{وما أنت بمؤمن لنا} أي بمصدق لنا.
{ولو كنا صادقين} فيه وجهان:
أحدهما: أنه لم يكن ذلك منهم تشكيكاً لأبيهم في صدقهم وإنما عنوا: ولو كنا أهل صدق ما صدقتنا، قاله ابن جرير.
الثاني: معناه وإن كنا قد صدقنا، قاله ابن إسحاق.
قوله عزوجل: {وجاءُوا على قميصه بدمٍ كذب} قال مجاهد: كان دم سخلة. وقال قتادة: كان دم ظبية.
قال الحسن: لما جاءُوا بقميص يوسف فلم ير يعقوب فيه شقاً قال: يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أيأكل ابني ويبقي على قميصه. ومعنى قوله {بدم كذب} أي مكذوب فيه، ولكن وصفه بالمصدر فصار تقديره بدم ذي كذب.
وقرأ الحسن {بدم كذب} بالدال غير معجمة، ومعناه بدم متغير قاله الشعبي.
وفي القميص ثلاث آيات: حين جاءُوا عليه بدم كذب، وحين قُدَّ قميصه من دُبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً.
{قال بل سوَّلت لكن أنفسكم أمراً} فيه وجهان:
أحدهما: بل أمرتكم أنفسكم، قاله ابن عباس.
الثاني: بل زينت لكم أنفسكم أمراً، قاله قتادة.
وفي ردّ يعقوب عليهم وتكذيبه لهم ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان ذلك بوحي من الله تعالى إليه بعد فعلهم.
الثاني: أنه كان عنده علم بذلك قديم أطلعه الله عليه.
الثالث: أنه قال ذلك حدساً بصائب رأيه وصدق ظنه.
قال ترضيه لنفسه {فصبر جميل} فاحتمل ما أمر به نفسه من الصبر وجهين: أحدهما: الصبر على مقابلتهم على فعلهم فيكون هذا الصبر عفواً عن مؤاخذتهم.
الثاني: أنه أمر نفسه بالصبر على ما ابتُلي به من فقد يوسف.
وفي قوله: {فصبرٌ جميل} وجهان:
أحدهما: أنه بمعنى أن من الجميل أن أصبر.
الثاني: أنه أمر نفسه بصبر جميل.
وفي الصبر الجميل وجهان: أحدهما: أنه الصبر الذي لا جزع فيه قاله مجاهد.
الثاني: أنه الصبر الذي لا شكوى فيه.
روى حباب بن أبي حبلة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {فصبر جميل} فقال: «صبر لا شكوى فيه، ومن بث لم يصبر».
{والله المستعان على ما تصفون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: والله المستعان على الصبر الجميل.
الثاني: والله المستعان على احتمال ما تصفون.
الثالث: يعني على ما تكذبون، قاله قتادة.
قال محمد بن إسحاق: ابتلى الله يعقوب في كبره، ويوسف في صغره لينظر كيف عزمهما.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
قوله عز وجل: {وجاءت سيارةٌ فأرسلوا واردهم} وهو الذي يرد أمامهم الماء ليستقي لهم. وذكر أصحاب التواريخ أنه مالك بن ذعر بن حجر بن يكه بن لخم.
{فأدلى دلوه} أي أرسلها ليملأها، يقال أدلاها إذا أرسل الدلو ليملأها، ودلاّها إذا أخرجها ملأى.
قال قتادة: فتعلق يوسف عليه السلام بالدلو حين أرسلت. والبئر ببيت المقدس معروف مكانها.
{قال يا بشرى هذا غلام} فيه قولان:
أحدهما: أنه ناداهم بالبشرى يبشرهم بغلام، قاله قتادة.
الثاني: أنه نادى أحدهم، كان اسمه بشرى فناداه باسمه يعلمه بالغلام، قاله السدي.
{وأسرُّوه بضاعة} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن إخوة يوسف كانوا بقرب الجب فلما رأوا الوارد قد أخرجه قالوا هذا عبدنا قد أوثقناه فباعوه وأسرّوا بيعه بثمن جعلوه بضاعة لهم، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الواردين الى الجُب أسرّوا ابتياعه عن باقي أصحابهم ليكون بضاعة لهم كيلا يشركوهم فيه لرخصه وتواصوا أنه بضاعة استبضعوها من أهل الماء، قاله مجاهد.
الثالث: أن الذين شروه أسرُّوا بيعه على الملك حتى لا يعلم به أصحابهم وذكروا أنه بضاعة لهم.
وحكى جويبر عن الضحاك أنه ألقيَ في الجب وهو ابن ست سنين، وبقي فيه إلى أن أخرجته السيارة منه ثلاثة أيام.
وقال الكلبي: ألقي فيه وهو ابن سبع عشرة سنة.
قوله عزوجل: {وشروه بثمن بخسٍ} معنى شروه أي باعوه، ومنه قول ابن مفرغ الحميري.
وشريت برداً ليتني ** من بعدِ بُرْدٍ كنت هامه

واسم البيع والشراء يطلق على كل واحد من البائع والمشتري لأن كل واحد منهما بائع لما في يده مشتر لما في يد صاحبه.
وفي بائعه قولان:
أحدهما: أنهم إخوته باعوه على السيارة حين أخرجوه من الجب فادّعوه عبداً، قاله ابن عباس والضحاك ومجاهد.
الثاني: أن السيارة باعوه عن ملك مصر، قاله الحسن وقتادة.
{بثمن بخس} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن البخس ها هنا الحرام، قاله الضحاك، قال ابن عطاء: لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها فكان ثمنه وإن جَلّ بخساً، وما هو وإن باعه أعداؤه بأعجب منك في بيع نفسك بشهوةٍ ساعةٍ من معاصيك.
الثاني: أنه الظلم، قاله قتادة.
الثالث: أنه القليل، قاله مجاهد والشعبي.
{دراهم معدودة} اختلف في قدرها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه بيع بعشرين درهماً اقتسموها وكانوا عشرة فأخذ كل واحد منهم درهمين، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة وعطية والسدي.
الثاني: باثنين وعشرين درهماً، كانوا أحد عشر فأخذ كل واحد درهمين، قاله مجاهد.
الثالث بأربعين درهما، قاله عكرمة وابن إسحاق. وكان السدي يقول: اشتروا بها خفافاً ونِعالاً.
وفي قوله تعالى: {دراهم معدودة} وجهان:
أحدهما: معدودة غير موزونة لزهدهم فيه.
الثاني: لأنها كانت أقل من أربعين درهماً، وكانوا لا يَزِنُون أقل من أربعين درهماً، لأن أقل الوزن عندهم كان الأوقية، والأوقية أربعون درهماً.
{وكانوا فيه من الزاهدين} وفي المعنيّ بهم قولان:
أحدهما: أنهم إخوة يوسف كانوا فيه من الزاهدين حين صنعوا به ما صنعوا.
الثاني: أن السيارة كانوا فيه من الزاهدين حين باعوه بما باعوه به.
وفي زهدهم فيه وجهان:
أحدهما: لعلمهم بأنه حرٌّ لا يبتاع.
الثاني: أنه كان عندهم عبداً فخافوا أن يظهر عليه مالكوه فيأخذوه.
وفيه وجه ثالث: أنهم كانوا في ثمنه من الزاهدين لاختبارهم له وعلمهم بفضله، وقال عكرمة أعتق يوسف حين بيع.